الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{رَّحِيمًا} بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئياب منها.{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} عن نفاقهم.{والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ضعف إيمان وقلة ثبات عليه، أو فجور عن تزلزلهم في الدين أو فجورهم.{والمرجفون في المدينة} يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها من إرجافهم، وأصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمي به الإِخبار الكاذب لكونه متزلزلًا غير ثابت.{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء.{ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ} عطف على {لَنُغْرِيَنَّكَ} و{ثُمَّ} للدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول أعظم ما يصيبهم.{فِيهَا} في المدينة.{إِلاَّ قَلِيلًا} زمانًا أو جوارًا قليلًا.{مَّلْعُونِينَ} نصب على الشتم أو الحال والاستثناء شامل له أيضًا أي: {لاَ يُجَاوِرُونَكَ} إلا ملعونين، ولا يجوز أن ينصب عن قوله: {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها.{سُنَّةَ الله في الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} مصدر مؤكد أي سن الله ذلك في الأمم الماضية، وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالإِرجاف ونحوه {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ}.{وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} لأنه لا يبدلها ولا يقدر أحد أن يبدلها.{يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} عن وقت قيامها استهزاء وتعنتًا أو امتحانًا.{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} لم يطلع عليه ملكًا ولا نبيًا.{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} شيئًا قريبًا أو تكون الساعة عن قريب وانتصابه على الظرف، ويجوز أن يكون التذكير لأن {الساعة} في معنى اليوم، وفيه تهديد للمستعجلين وإسكات للمتعنتين.{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} نارًا شديدة الاتقاد.{خالدين فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يحفظهم.{وَلاَ نَصِيرًا} يدفع العذاب عنهم.{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار} تصرف من جهة إلى جهة كاللحم يشوى بالنار، أو من حال إلى حال، وقُرئ {تَقَلُّبُ} بمعنى تتقلب و{تَقَلُّبُ} ومتعلق الظرف.{يَقُولُونَ ياليتنا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} فلن نبتلي بهذا العذاب.{وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} يعنون قادتهم الذين لقنوهم الكفر، وقرأ ابن عامر ويعقوب {ساداتنا} على جمع الجمع للدلالة على الكثرة.{فَأَضَلُّونَا السبيلا} بما زينوا لنا.{رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} مثلي ما آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلوا.{والعنهم لَعْنًا كَثِيرًا} كثير العدد، وقرأ عاصم بالباء أي لعنًا هو أشد اللعن وأعظمه.{يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين ءَاذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} فأظهر براءته من مقولهن يعني مؤداه ومضمونه، وذلك أن قارون حرض امرأة على قذفه بنفسها فعصمه الله كما مر في القصص، أو اتهمه ناس بقتل هرون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك، فحملته الملائكة ومروا به حتى رءوه غير مقتول. وقيل أحياه الله فأخبرهم ببراءته، أو قذفوه بعيب في بدنه من برص أو أدرة لفرط تستره حياء فأطلعهم الله على أنه بريء منه.{وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهًا} ذا قربة ووجاهة، وقُرئ «وكان عبد الله وجيهًا».{يا أيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله} في ارتكاب ما يكرهه فضلًا عما يؤذي رسوله.{وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} قاصدًا إلى الحق من سد يسد سدادًا، والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد.{يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم} يوفقكم للأعمال الصالحة، أو يصلحها بالقبول والإِثابة عليها.{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل.{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} في الأوامر والنواهي.{فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} يعيش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدًا.{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان} تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة، وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء، والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها، وأشفقن منها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين.{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا} حيث لم يف بها ولم يراع حقها.{جَهُولًا} بكنه عاقبتها، وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب. وقيل المراد ب {الأمانة} الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية، وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته، فيكون الإِباء عنه اتيانًا بما يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة الخيانة والتقصير. وقيل إنه تعالى لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهمًا وقال لها: إني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها، ونارًا لمن عصاني، فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبتغي ثوابًا ولا عقابًا، ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله، وكان ظلومًا لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولًا بوخامة عاقبته، ولعل المراد ب {الأمانة} العقل أو التكليف، وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن، وبإبائهن الإِباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلومًا جهولًا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية، وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنًا على القوتين حافظًا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد، ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.{لّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} تعليل للحمل من حيث إنه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديبًا، وذكر التوبة في الوعد إشعار بأنهم كونهم ظلومًا جهولًا في جبلتهم لا يخليهم عن فرطات.{وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} حيث تاب عن فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعاتهم. قال عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر». اهـ.
|